
فاطمة الحبيبة
﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾1.
والسؤال من هم القربى؟
فاطمة الحبيبة
﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾1.
إنّه تعليم من الله للنبيّ (صلى الله عليه وآله) أن لا يسأل الناس أجرًا وثوابًا على الجهد العظيم الذي بذله لأجل الإسلام، وبالتالي لأجل الناس، لكن هناك استثناء ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ 2، فالرسول (صلى الله عليه وآله) بتوجيه من الله يطلب من النّاس المقابل لجهده ألا هو المودّة للقربى.
والسؤال من هم القربى؟ وهذا فعلاً ما سأله بعض الصحابة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فأجابهم (صلى الله عليه وآله): "عليّ وفاطمة وابناهما" 3.
ما معنى المودّة ؟ إنّها الحبّ المفعّل من خلال تعبير أو سلوك عمليّ، والحبّ هو انجذاب القلب بسبب كمال يراه المحبّ في المحبوب. لذا فإنّ طلب المودّة لأهل البيت (عليهم السلام) ينطلق من كمالاتهم. وأودّ هنا أن أركّز الحديث على بعض كمالات فاطمة (عليها السلام) التي تبعث على محبّتها وأيّ كمالات هي لفاطمة (عليها السلام)؟
1- إنّ كمالها (عليها السلام) يبدأ من عالم الأنوار قبل خلق هذا الكون، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه عن جدّته فاطمة (عليها السلام): "إنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها "4.
2- وفي عالم الجنّة بدأ الكمال الثاني للسيّدة فاطمة (عليها السلام)، وذلك في معراج النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فعنه (صلى الله عليه وآله): "أخذ جبرائيل بيدي، وأدخلني الجنّة، وأدناني من شجرة طوبى، وناولني من ثمارها فأكلته فحوّل الله ذلك ماء في ظهري، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها قطّ إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى منها" 5.
وعن هذا الأمر ورد قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): "فاطمة حوراء إنسيّة، كلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة " 6.
3- وبان كمال السيّدة فاطمة (عليها السلام) وهي جنين، حينما قاطعت نساء قريش أمّها السيّدة خديجة الكبرى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "كانت فاطمة تحدّثها [ أي تحدث خديجة] من بطنها وتصبّرها، دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرةّ وسأل زوجته خديجة: يا خديجة من تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، قال (صلى الله عليه وآله): يا خديجة، هذا جبرئيل يخبرني أنّها أنثى وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة وأنّ الله سيجعل نسلي منها" 7.
4- وظهر كمال فاطمة (عليها السلام) المولودة، إذ لما ولدت (عليها السلام) أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة من قبل.
5- وخلّد القرآن حديثه عن كمال فاطمة في آية التطهير 8، وفي آية المباهلة 9، وفي آية المودّة 10.
6- وبيّنت الملائكة كمال فاطمة (عليها السلام) حينما كانت تقول لها: أنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وأنّ الله عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين 11.
7- وكبرت فاطمة (عليها السلام) في كنف أبيها (صلى الله عليه وآله) ليخبر عن كمالها بأحاديث كثيرة منها:
- "فاطمة أمّ أبيها" 12.
- "أحبّ الناس إليّ من النساء، فاطمة" 13.
- "أحبّ أهلي إليّ فاطمة" 14.
- "من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبيّ" 15.
- "رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، ومن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني" 16.
وكانت (عليها السلام) إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه.
8- وظهرت كمالات فاطمة زوجةً لوليّ الله تصبر على الفقر والجوع وهي تفتخر قائلة: "طوبى لامرأة رضي عنها زوجها"، وعن كمالات يتحدّث أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: "فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني، ولا عصيت لي أمرًا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان" 17.
9- وتجلّى كمال فاطمة أمًّا لأولادها الأطهار حيث كما عبّر الإمام الخمينيّ (قده): "ربّت في حجرة صغيرة وبيت متواضع أشخاصًا يشعّ نورهم من بسيطة التراب إلى عالم الأفلاك، ومن عالم الملك إلى الملكوت الأعلى".
10- وبرز كمال فاطمة عالمةً حيث كانت تنشر تعاليم الإسلام، ورد أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) سئل عن بعض المسائل، فأجاب عنها وأردف قائلاً: "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بذلك فاطمة، وكانت تأمر بذلك المؤمنات" 18 ولميزتها في نشر هذه التعاليم المباركة سمّيت بالمحدِّثة.
11- وبان كمال فاطمة عابدةً، فكانت تصلّي، وتطيل القيام حتى تتورَّم قدماها، وكانت تتغيّر معالمها في الصلاة من خشية الله، وقد عرف ذلك منها القريب والبعيد، فعن الحسن البصريّ: "لم يكن في الأمّة أعبد من فاطمة (عليها السلام)".
وفي عبادتها لم تعش الأنانيّة، فعن الإمام الحسن (عليه السلام): "رأيت أمّي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بنيّ، الجار ثمّ الدار" 19.
12- وعُرف كمال السيّدة فاطمة مجاهدةً في الحرب الاقتصاديّة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شعب أبي طالب ثلاث سنين حيث كانت تربط الحجر على بطنها من شدّة الجوع، وفي الحرب العسكريّة حيث كانت تداوي جرح أبيها في معركة أحد، وتساعده في جهاده في معركة الخندق، وتدخل مع أبيها وزوجها فاتحةً إلى مكّة.
13- وانبعث كمال السيّدة فاطمة (عليها السلام) في ساحة السياسة حيث وقفت أمام من حاول أن يحرف التاريخ عن مسار الحقّ والعدالة، فاستطاعت بموقفها وحركتها وخطبتها السياسيّة الصارخة ووصيّتها الخالدة أن تحافظ على الحقّ ودوامه خارقًا كلّ جدر المستقبل وظلماته.
14- ولعلّ أروع تجلّيات كمال فاطمة (عليها السلام) في مقامها عند الله تعالى هو حديث جبرئيل معها بعد رحيل أبيها النبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث نزل يسلّيها ويخبرها بأحداث المستقبل التي ستنتهي بدولة الحقّ على يد حفيدها، وذلك فيما عرف بمصحف فاطمة.
وفي نزول جبرئيل (عليه السلام) ليحدِّثها عن الكمال غاية التعبير عن سموّ مقامها المعنويّ، فجبرئيل (عليه السلام) كما يقول الإمام الخمينيّ (ره)، لا ينزل على أيّ إنسان، بل هو ينزل على النفس الكاملة التي تستطيع أن تجذبه إليها، فأيّ نفس كاملة كانت للسيّدة الزهراء حيث استطاعت، بعد وفاة أبيها، أن يجذب إليها الملك العظيم جبرئيل (عليه السلام).
لكلّ هذا نحن نحبّ فاطمة (عليها السلام)؟
لكلّ هذا أرشد الله إلى كرامة حبّ فاطمة.
وهي التي ورد في سرّ اسمها أنّها سمّيت فاطمة "لأنّها فطمت شيعتها من النار" 20.
لأنّ محبيها هم محبّو الكمالات التي تجلّت فيها فإذا كانوا كذلك فكيف تمسّ النار محبّيها؟! وهل تمسّ النار قلوبًا عشقت تلك الكمالات، فكانت فاطمة (عليها السلام) القدوة لهم؟! هؤلاء لن تتركهم فاطمة (عليها السلام) في ساحة يوم القيامة فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إذا كان يوم القيامة...ينادي المنادي، وهو جبرئيل (عليه السلام): يا أهل الجمع طأطؤوا الرؤوس وغضّوا الأبصار؛ فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة مدبحة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ الرطب، عليها رحل من المرجان، فتناخ بين يديها فتركبها، فيبعث الله مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها على باب الجنّة، فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك، وقد أمرت بك إلى جنّتي؟ فتقول: يا ربّ، أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا بنت حبيبي، ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذريّتك خذي بيده فأدخليه الجنّة، قال أبو جعفر (عليه السلام): والله يا جابر إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الردئي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربّ، أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبّائي، ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة" 21.
1 سورة الشورى، الآية 23.
2 سورة الشورى، الآية 23.
3 الطبراني، المعجم الكبير، ج 3، ص 47.
4 الصدوق، محمّد، علل الشرائع، ج 1، ص 180.
5 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 8، ص 120.
6 الصدوق، محمّد، الأمالي، 546.
7 المصدر السابق، ص 690.
8 سورة الأحزاب، الآية 33.
9 سورة آل عمران، الآية 61.
10 سورة الشورى، الآية 23.
11 الصدوق، محمّد، علل الشرائع، ج 1، ص 182.
12 الطبرانيّ، المعجم الكبير، ج 22، ص 397.
13 الأمينيّ، الغدير، ج 3، ص 24.
14 المصدر السابق نفسه.
15 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 43، ص 54.
16 المصدر السابق، ج 28، ص 357.
17 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 43، ص 134.
18 البحرانيّ، الحدائق الناضرة، ج 3، ص 297.
19 الحرّ العاملي، زين الدين، وسائل الشيعة، ج 4، ص 1150.
20 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 43، ص 4.
21 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 8، ص 51 - 52.