الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

image

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في رسالة الإمام الحسين "ع" إلى أخيه محمد بن الحنفية تحدث عن أسباب نهضته قائلاً: "إنّي لم أخرج

أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً, وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول

بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في رسالة الإمام الحسين "ع" إلى أخيه محمد بن الحنفية تحدث عن أسباب نهضته قائلاً: "إنّي لم أخرج

أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً, وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله صلى الله

عليه وآله. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ ابن أبي طالب عليه

السلام" .
من بديهيات التعاليم الإسلامية أنّها رفضت الانزواء في المجتمع, فلا رهبانية في

الإسلام, الذي بدَّل صومعة التكامل الفرد بالمسجد الجامع الذي يتفاعل فيه أهله في مختلف قضاياهم

الاجتماعية مع عباداتهم فيه.
ولعلَّ من أهمّ العنوانين الإسلامية التي تُبرز اهتمام الإسلام بالمجتمع هو "الأمر

بالمعروف والنهي عن المُنكر" الذي ورد عن الإمام الباقر(ع) أنّه: "سبيل الأنبياء ومنهاح الصلحاء" .
سرُّ المرتبة
وخلفيَّة ذلك تكمن بالهدف الإلهي من خلق الله تعالى للإنسان وهو الكمال الذي

يريد عزّ وجلّ أن يتحقّق من خلال أمرين:
الأول: كمال الإنسان الفردي.
الثاني: كمال المجتمع الإنساني وقافلة البشرية.
فكما أن الإنسان عليه أن يسعى لكمال نفسه, فعليه أن يتحمّل مسؤوليته في كمال المجتمع الذي

بدونه لا يتحقّق الكمال الفردي.
الأمر بالمعروف
من هنا كانت القيمة العالية للأمر بالمعروف بين الناس, فعن الرسول الأكرم(ص): "والذي نفسي

بيده, ما أنفق الناس من نفقةٍ أحبّ من قول الخير" .
وعنه(ص):" الدالُّ على الخير كفاعله" . وقد أكدَّت النصوص الدينية وسيرة الأنبياء والأوصياء على

التزام الحكمة في أسلوب الأمر بالمعروف, ولنا في موقف الإمامين الحسن والحسين(ع) عليهما السلام

خير شاهد في ذلك حينما رأيا اعرابياً رأيا أعرابيّاً يتوضّأ بشكل خاطى‏ء، فتقدّما وطلبا منه أن يشرف

على وضوئيهما ليعرفا أيّ الوضوءين أحسن! فقال الحسين (ع) للأعرابي: «أيّنا يحسن الوضوء؟

فأجاب الأعرابي: كلاكما تحسنانه، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه» .
يُعلّمنا الحسين(ع) في هذه القصة كيف ندعو إلى الله تعالى بما يُقرِّب الآخرين إلى الإسلام بالأسلوب

الهادى‏ء الحكيم، لا كما يفعل بعض الناس الذين يُنفّرون الناس من الدين والإيمان، كذلك الشخص

المسلم الذي أسلم جاره النصرانيّ وبعد إسلامه طرق عليه بابه عند الفجر ففتح الباب متفاجئاً، ما

الأمر؟ فطلب منه المسلم أن يذهبا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، فذهبا وبعد الصلاة أراد من كان

نصرانيّاً الرجوع إلى بيته، إلاَّ أنّ جاره أصرَّ عليه أن يقرأ القرآن لا سيّما أنّ الوقت بين الفجر وطلوع

الشمس من الأوقات المباركة... طلعت الشمس لكنّ جاره لم يدعه يذهب إلى بيته إذ أخذ يلقّنه

أدعية مستحبّة في ذلك الوقت إلى أن جاء وقت صلاة الظهر فصلّى، وحين همَّ بالذهاب إلى بيته

استبقاه جاره في المسجد لقراءة بعض الأدعية حتى يأتي وقت صلاة العصر، وحلّ وقت العصر، وأبى

جاره إلاَّ استبقاءه لصلاة المغرب ولم يدعه يرجع إلى بيته إلاَّ بعد صلاة العشاء.
وفي اليوم التالي جاء المسلم عند الفجر، وطرق باب جاره «النصرانيّ سابقاً»، ففتح له الباب، وسأله:

ما الأمر؟ فطلب منه الذهاب معه إلى المسجد، لكنَّه تفاجأ حينما أجابه النصرانيّ: «اذهب يا هذا،

وابحث لدينك عن رجل غيري، فإنّي رجل ذو عيال».
وقد ورد أنّ أحدهم روى هذه القصّة للإمام الصادق (ع) الذي علَّق عليها بأنّ من أدخله في

الإسلام هو الذي يتحمَّل مسؤوليّة خروجه منه.
النهي عن المنكر
أمَّا الموقف من المنكر حينما يواجهه المؤمن, فقد تعرَّضت الأحاديث الشريفة لعدّة

صور له:
1- أن يداهن أهل المنكر, ولا ينهاهم عنه.
ومصيره ورد في رواية عن الإمام أبي جعفر(ع) :" أوحى الله إلى شعيب النبي (ع) : إنّي معذِّب من

قومك مئة ألف : أربعين ألفا من شرارهم ، وستين ألفا من خيارهم ، فقال (ع) : يا رب هؤلاء

الأشرار ، فما بالأخيار ؟ فأوحى الله عزّ وجل إليه : داهنوا أهل المعاصي, ولم يغضبوا لغضبي " .
2- أن يثبِّط عزيمة الناهين عن المنكر
ومصيره ورد في القرآن الكريم في قصة بني اسرائيل الذين حرَّم الله تعالى عليهم صيد السمك يوم

السبت, وابتلاهم تعالى بكثرة الأسماك على شواطئهم في يوم التحريم بخلاف الأيَّام الأخرى, قال

تعالى:" إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ " .
فما كان من اولئك الصيادين إلا أن قاموا بحفر أحواض قرب الساحل, وتركوها مفتوحة لتدخل إليها

مياه البحر والأسماك, ثم بعد ذلك كانوا يقفلونها إلى أن يجيء يوم الأحد ليخرجوا منها الأسماك. وقد

التفت المؤمنون إلى أنّ هذا نوعاً من التلاعب بالشريعة, والتفافاً على الحرام بحرام, فأقبلوا ينهون

الصيادين عن هذا المنكر, إلا أنّ فريقاً تدخّل يحاور الناهين مستنكراً نهيهم للصيادين الفاسقين, قال

تعالى : وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى

رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " . وقصّ علينا القرآن نهاية هذه القصّة بقوله تعالى :" فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ

قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ " .
فمن هم الذين مسخهم الله إلى قردة خاسئين ؟
تشير الروايات أنّ الممسوخين هم: الصيادون, والمستنكرون نهي الصيادين عن المنكر.
3- أن يسكت فلا يداهن, ولا يمانع, بل يسكت دون أيّ تفاعل.
ومصيره ورد في رواية عن الإمام الباقر(ع):" إنّ الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها,

فلمّا انتهيا إلى المدينة فوجدا فيها رجلاً يدعو ويتضرع " إلى أن قال(ع) : فعاد أحدهما إلى الله ، فقال

: يا ربّ إني انتهيت إلى المدينة, فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرع إليك فقال : امض لما أمرتُك به

، فانَّ ذا رجل لم يتمعّر وجهه غيظاً لي قط" .
وحينما يترك المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّ هناك عواقب سوف

يواجهها يمكن بيانها في العناوين الآتية:
أ‌- تسلّط الأشرار على المجتمع
عن الإمام علي(ع): "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيولَّى عليكم شراركم" .
ب‌- عدم استجابة الدعاء
ويكمل الإمام علي(ع) الحديث السابق بقوله:"...ثم تدعون فلا يُستجاب لكم"
ج- نزع البركات من المجتمع
عن النبي(ص):" " لا تزال أمتي بخير ، ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ ، فإذا لم

يفعلوا ذلك ، نزعت منهم البركات" .
أسباب عدم الإقدام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقد تعرَّض الإسلام للأسباب التي تدعو المؤمن لترك الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر والتي يمكن جمعها في عنوان الضعف, وهو إمّا ضعفٌ في فهمه أو ضعف في سلوكه, وبالتالي

فهو إمّا ضعيف على مستوى البنية المفهوميّة الدينيّة, أو ضعيف على مستوى الالتزام الدينيّ, من هنا

ورد أنّ النبيّ(ص) قال:" إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له ، فقيل : وما المؤمن

الضعيف الذي لا دين له ؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر " .وقد تدخل الإسلام لمعالجة هذا

الضعف.
أمّا معالجة الضعف المفهومي فمن خلال التفقّه في الدين, أما معالجة الضعف

المسلكي, فإنّ الإسلام قارب الهواجس التي من خلالها يخاف المسلم من الإقدام على الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر, وبما أن هذه الهواجس تتعلّق بعنوانين حساسين في حياته هما:
1- أن يصيبه ضرر في نفسه قد يؤدّي إلى موته بسبب الإقدام على هذه الفريضة.
2- أن ينقطع رزقه بسبب هذا الإقدام.
وفي مقام رفع هذين الهاجسين أعلن الإمام علي(ع) في خطبة له عن ضمانة إلهية تتعلّق بذلك,

فقال(ع):"... اعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا أجلا ولن يقطعا رزقا" .
4- أن يتدخل, وينهى عن المنكر
وهو الموقف الذي يُحبُّه الله تعالى, ويتكامل به الإنسان, وقد ذكر الإمام الباقر(ع) سبعة آثار إيجابية

لهذا الموقف حينما يتحلّى به المؤمنون في المجتمع فعنه(ع): "إن الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر...فريضة عظيمة بها:
1. تقام الفرائض
2. وتأمن المذاهب.
3. وتحلّ المكاسب.
4. وتردّ الظالم.
5. وتعمر الأرض.
6. وينتصف من الأعداء.
7. ويستقيم الأمر.
وقد حدَّدت الشريعة ثلاثة مراحل لهذا النهي عن المنكر:
الأول: الإنكار بالقلب
فعن الإمام علي(ع):" أدنى الإنكار أن يلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة " .
إنّ أقل ما يمكن أن يواجه المؤمن به من يحمل كأس خمر يشربه, أو يتناول الطعام

دون عذر في نهار شهر رمضان, أو يغتاب الآخرين, أو نحو ذلك, أن يظهر علائم السخط على

وجهه من عمله القبيح.
الثاني: الإنكار باللسان
إنَّ الكلمة الناهية عن المنكر قد تغيِّر مصير الناهي والمنهيّ من قعر جهنّم إلى عوالي

الجنة, وهذا ما نلاحظه في قصّة ذلك العابد من بني اسرائيل الذي احتال عليه إبليس حتى ذهب إلى

فاجرة يريد الزنا بها ، فقالت له: إن ترك الذنب أيسر من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة

وجدها". فانصرف, وماتت من ليلتها, فأصبحت وإذا على بابها مكتوب : احضروا فلانة فإنها من

أهل الجنة, فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتياباً في أمرها ، فأوحى الله عز وجل إلى نبي من

الأنبياء ولا أعلمه الا موسى بن عمران أن ائت فلانة فصل عليها ، ومر الناس فليصلوا عليها ، فاني

قد غفرت لها ، وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي .
وأفضل كلمة ناهية عن المنكر هي تلك التي تنطلق بوجه سلطان جائر, فعن الرسول

الأكرم(ص):" إنّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" .
ومن مصاديق هذه الكلمة ما جرى مع العبد الصالح عبد الله بن عفيف الأزدي

فقد ورد أنه بعد ملحمة عاشوراء صعد ابن زياد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في بعض كلامه

الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين وأشياعه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب فما زاد

على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من خيار الشيعة وزهادها وكانت

عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل ، والأخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم ، فيصلي

فيه إلى الليل ، فقال : يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ، ومن استعملك وأبوه ، يا

عدو الله أتقتلون أبناء النبيين ، وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين ؟ قال : فغضب ابن زياد ثم

قال : من هذا المتكلم ؟ فقال : أنا المتكلم يا عدو الله تقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنهم

الرجس ، وتزعم أنك على دين الاسلام ؟ وا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار لا ينتقمون من

طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين؟ فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت

أوداجه وقال : علي به ، فبادر إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه, فحمته قبيلته, لكن بعد ذلك

استطاع جند ابن زياد أن يأسروه, عقب مقاومة شديدة منه, وأوتي به إلى ابن زياد, فما أن كان من

عبد الله بن عفيف الأزدي إلا أن قال:
"الحمد لله رب العالمين أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك وسألت

الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة ،

والآن الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة منه في قديم دعائي فقال ابن زياد :

اضربوا عنقه ! فضربت عنقه وصلب في السبخة

3- الإنكار باليدّ
عن الإمام علي(ع):" من رأى عدوانا يعمل به, ومنكراً يدعى إليه, فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ ،

ومن أنكره بلسانه فقد أجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا

وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين " .
وهذا الإنكار هو الذي قام به الإمام الحسين(ع) في أعلى مشهد إنكار ليس فقط

باليد, بل ليس فقط بالسيف, بل كان بالدم المقدّس, لأنّ الإمام(ع) واجه أعلى منكر, وهو محاولة

حرف قافلة البشرية عن مسارها عبر إماتة الدين, وهو ما بيّنه الإمام الحسين(ع) بعدّة كلمات منها:
- "إن السنّة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت"
- "وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد " .
ومع ذلك سكتت الأمَّة ولم تقم بواجبها بل كان موقفها الذي عبَّر عنه الإمام(ع):

"ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه" .
لقد رأى الإمام الحسين(ع) أن مواجهة ذلك المنكر, وأن المحافظة على الإسلام هو

المعروف الأول الذي لا تنفع فيه مجرد اكفهرار الوجوه, وإعلان المواقف الخطابية, بل لا بُدَّ من مواجهة

مسلَّحة يقدّم فيها نفسه وأهل بيته وأصحابه, لتكون النتيجة كما كانت انتصار الدم على السيف.

  • الزيارات: 5498