
فاطمة (عليها السلام) الزوجة
نقل الشيخ الطوسي في الأمالي حديثَ مجيء أمير المؤمنين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليخطب فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله):
فاطمة (عليها السلام) الزوجة
علي (عليه السلام) يخطب فاطمة (عليها السلام)
نقل الشيخ الطوسي في الأمالي حديثَ مجيء أمير المؤمنين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليخطب فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رَسولَ اللّه، فاطِمَةُ تُزَوِّجُنيها؟ فَقالَ: يا عَلِيُّ، إنَّهُ قَد ذَكَرَها قَبلَكَ رِجالٌ، فَذَكَرتُ ذلِكَ لَها، فَرَأَيتُ الكَراهَةَ في وَجهِها، ولكِن عَلى رِسلِكَ حَتّى أخرُجَ إلَيكَ. فَدَخَلَ عَلَيها فَقامَت إلَيهِ، فَأَخَذَت رِداءَهُ ونَزَعَت نَعلَيهِ، وأتَتهُ بِالوَضوءِ، فَوَضَّأَتهُ بِيَدِها وغَسَلَت رِجلَيهِ، ثُمَّ قَعَدَت، فَقالَ لَها: يا فاطِمَةُ، فَقالَت: لَبَّيكَ! حاجَتُكَ يا رَسولَ اللّه؟ قالَ: إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ مَن قَد عَرَفتِ قَرابَتَهُ وفَضلَهُ وإسلامَهُ، وإنّي قَد سَأَلتُ ربّي أن يُزَوِّجَكِ خَيرَ خَلقِهِ وأحَبَّهُم إلَيهِ، وقَد ذَكَرَ مِن أمرِكِ شَيئا، فَما تَرَينَ؟ فَسَكَتَت ولَم تُوَلِّ وَجهَها، ولَم يرَ فيهِ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله كَراهَةً، فَقامَ وهُوَ يَقولُ: اللّهُ أكبَرُ! سُكوتُها إقرارُها ،فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمّد ،زوّجها علي بن أبي طالب ، فإنّ اللّه قد رضيها له ورضيه لها[1].
وعنه عليه السلام: قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله: يا عَلِيُّ، لَقَد عاتَبَتني رِجالٌ مِن قُرَيشٍ في أمرِ فاطِمَةَ عليها السلام وقالوا: خَطَبناها إلَيكَ فَمَنَعتَنا، وزَوَّجتَ عَلِيّا، فَقُلتُ لَهُم: وَاللّهِ ما أنَا مَنَعتُكُم وزَوَّجتُهُ، بَلِ اللّهِ تَعالى مَنَعَكُم وزَوَّجَهُ، فَهَبَطَ عَلَيَّ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ يَقولُ: لَو لَم أخلُق عَلِيّا لَما كانَ لِفاطِمَةَ ابنَتِكَ كُفوٌ عَلى وَجهِ الأَرضِ؛ آدَمُ فَمَن دونَهُ[2].
وعنه عليه السلام: لما أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاطباً ابنته فاطمة قال: وماعندك تنقدني؟ قلت له: ليس عندي إلا بعيرى وفرسي ودرعي قال: أما فرسك فلا بدلك منه تقاتل عليه، وأما بعيرك فحامل أهلك، وأما درعك فقد زوّجك الله بها[3].
دلالات الحدث:
1- مكانة الزهراء (عليها السلام)
تُظهر الرواية السّابقة مقاماً للسيّدة فاطمة (عليها السلام) التي جعل الله تعالى أمر زواجها بيده، واختار لها الزّوج في السماء بل يُعبِّر عن المسار والمخطَّط الإلهي لبيت الطهر والعصمة، وتتضّح هذه الخصوصيّة في الحديث القدسيّ السابق: "يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ يَقولُ: لَو لَم أخلُق عَلِيّا لَما كانَ لِفاطِمَةَ ابنَتِكَ كُفوٌ عَلى وَجهِ الأَرضِ؛ آدَمُ فَمَن دونَهُ ".
2- التزويج المبكر:
إنّ صغر عمر السيّدة فاطمة (عليها السلام) والإمام علي (عليه السلام) عند زواجهما الذي حصل في السنة الثانية للهجرة[4] هو دعوة للزواج المبكر الذي دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه في قوله: "ما من شابّ تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله، عصم منّي ثلثي دينه، فليتّقِ اللهَ العبدُ في الثلث الباقي"[5].
3- المهر المتواضع
درع الإمام علي (عليه السلام) كان هو المهر، وقد كانت قيمته، كما ورد في عدّة روايات ، خمسماية درهم ، أي 1500 غرام فضّة ، والقيمة المادّية له قليلة كما هو واضح، لكن له فوائد معنويّة جمّة، وهذا ما حثّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعنه (صلى الله عليه وآله): " أفضل نساء أُمّتي... أقلّهنّ مهراً "[6]، وعنه (صلى الله عليه وآله): " من بركة المرأة قلّة مهرها "[7].
4- تزويج المجاهد
اللافت في الرواية السابقة، والذي ينبغي أن يجعله آباء الفتيات نصب أعينهم، قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ... أما فرسك فلا بدلك منه تقاتل عليه، وأما بعيرك فحامل أهلك ".
إنّه تحفيز على الجهاد في سبيل الله، وعلى الافتخار بتزويج البنات للمجاهدين.
عُرس علي وفاطمة
عن الإمام الباقر (عليه السلام): " لمّا كانت الليلة التي أهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) إلى علي (عليه السلام) دعا بعليّ فأجلسه عن يمينه، ودعا بها (عليه السلام) فأجلسها عن شماله".[8]
وفي رواية أخرى عن زفاف السيّدة الزهراء (عليها السلام) ورد أنّه " أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (عليها السلام)، وأن يفرحن ويرجزن، ويكبّرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرضى الله "[9].
دلالات العرس
1- الزفاف ليلاً
حصل عرس الإمام علي (عليه السلام) والسيّدة الزهراء (عليها السلام) ليلاً، وهذا من سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): " من السّنّة التزويج بالليل؛ لأنّ الله جعل الليل سَكَناً، والنساء إنّما هنّ سَكَن"[10].
2- أجواء الفرح
إنّ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء أن يفرحن ويُنشدن الاشعار يدلّ على أنّ مراسم الزّفاف في الإسلام تكون في أجواء فرحٍ وسرورٍ ينبغي أن تفيء بظلالها على هذه المناسبة السعيدة.
3- ذكر الله في الزّفاف
أكَّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يكون العرس مفعماً بذكر الله عزّ وجلّ، لا سيّما بتكبير الله تعالى وحمده الذي يستحضر الشّكر على نعمة الزواج، كما أنّه (صلى الله عليه وآله) حذّر من أن يحتوي العرس على ما لا يرضي الله تعالى.
المنزل المتواضع
عاشت السيّدة فاطمة (عليها السلام) مع الإمام علي (عليه السلام) في بيت متواضع، "إذ لم يكن عنده – حسب ما يروى – غير جلد كبش اتّخذه هو والصدّيقة الزهراء فراشاً في الليل، وكان يضع عليه علف ناقته في النهار"[11]، وكانت الزهراء (عليها السلام) راضيةً بما قسم الله لهما، مستنّة بسُنّة أبيها (صلى الله عليه وآله) القائل: "أيّما امرأة أدخَلَت على زوجها في أمر النّفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، إلّا أن تتوب وترجع، وتطلب من طاقته"[12].
دلالات المنزل
إنّ مواصفات منزل عليّ وفاطمة عليهما السلام تُوجّه أهل الإيمان في عصرنا إلى النّظر في نمط العيش المُكلِف؛ فتواضع الأثاث، مثلاً، يُزيل عقبة من أمام الشبّان الذين يُخطّطون للزواج ضمن إمكانيّاتهم المحدودة.
التعامل الزوجي
يُحدّثنا الإمام علي (عليه السلام) عن علاقته بالسيّدة الزهراء (عليها السلام) بقوله: "فوالله ما أغضَبتُها، ولا أكرَهتُها على أمرٍ حتى قَبَضَها الله عزّ وجلّ، ولا أغضَبَتني، ولا عَصَت لي أمرًا، ولقد كُنتُ أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان"[13].
دلالات العلاقة
1- تجنّب التوتير
إنّ تعبير الإمام (عليه السلام) بعدم إغضابه لها، وعدم إغضابها له يُمثّل قاعدة أساسيّة للحياة الزوجيّة السعيدة، وهي أن تكون المرأة "خفيفة الظلّ"، وأن يكون الرّجل كذلك، بحيث يسعى كلّ منهما أن لا يُوتّر الآخر، وأن لا يؤدّي به إلى الغضب.
2- عدم إكراه الزوجة
إنّ قلّة الحقوق الزوجيّة الملزمة إنّما كانت كذلك لأجل أن تبقى هذه الحياة في ظلال المودّة والرحمة، وذلك بأن تشعر الزوجة حينما تقوم بشيء لأجل زوجها، أنّها تفعله من تلقاء نفسها حبَّاً به، وتقرّباً إلى الله تعالى، وليس من باب الإلزام الشرعي بالأمر، وهذا ما يتناسب مع عاطفة المرأة التي تنسجم مع الاندفاع الداخلي لا مع الإلزام الخارجي، وهوما يُهيّؤها للأمومة بالشكل الأنسب؛ لتكون دمعتها أقوى أثراً من كلامٍ قاسٍ، أو إلزامٍ من موقع القوّة، فضلاً عن غير ذلك.
3- وجه السعادة
من أجمل ما يُعبّر عن أسباب السعادة في الحياة الزوجيّة هو ما تقدّم من قول الإمام علي (عليه السلام): "... ولقد كُنتُ أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان"[14].
وقد عبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن علامة أساسيّة للزوجة الصالحة بقوله: "إنّ من القسم المصلح للمرء المسلم أن تكون له امرأة، إذا نظر إليها سرّته، وإن غاب عنها حفظته، وإن أمرها أطاعته".[15]
وفي هذا توجيهٌ للمرأة أن يكون سعيها الدائم لتأمين ما يُسعد زوجها، بدءاً من ابتسامة الصباح؛ فـ"البشاشة فخّ المودّة"[16]، استمراراً بالوداعة واللِّين في المباشرة والتي عبَّر عنها الإمام علي (عليه السلام) بقوله: "خير نسائكم... الهيِّنة، الليّنة، المؤاتية، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملٌ من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب"[17].
كوخ النّور
من أجمل ما عُبِّر به عن بيت عليّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) قول الإمام الخميني (قده): "كان لدينا في صدر الإسلام كوخٌ ضمَّ بين أطرافه أربعة أو خمسة أشخاص، إنّه كوخ فاطمة (عليها السلام). وكان أشدّ بساطة حتى من هذه الأكواخ [يقصد سماحته البيت والحجرة المتواضعة التي يقيم فيها]. ولكن ما هي بركاته؟ لقد بلغت بركات هذا الكوخ ذي الأفراد المعدودين درجةً من العظمة غطّت نورانيّته العالم؛ وليس من السّهل على الإنسان أن يُحيط بتلك البركات. إن سكنة هذا الكوخ البسيط اتّسموا من الناحية المعنويّة بمنزلة سامية لم تبلغها حتى يد الملكوتيين، وعمّت آثارهم التربويّة بحيث إنّ كلّ ما تنعم به بلاد المسلمين –وبلدنا خاصّة – هو من بركات آثارهم تلك"[18].
[1] الطوسي،محمّد بن الحسن،الأمالي، ص39.
[2] عيون أخبار الرضا، ج 1، ص 225.
[3] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، الجزء 104، صفحة 88.
[4] المفيد، محمّد، مسار الشيعة، ص36.
[5] الراوندي، فضل الله، النوادر، ص113.
[6] المصدر السابق، ج43، ص73.
[7] المصدر السابق، ج43، ص94.
[8] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص366.
[9] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج109، ص68.
[10] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص366.
[11] من حديث للإمام الخميني بتاريخ 4/7/1979م.
[12] الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، ص202.
[13] المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 23، ص 134.
[14] المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 23، ص 134.
[15] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص327.
[16] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج75، ص39.
[17] المصدر السابق، ج20، ص29.
[18] من حديث للإمام الخميني بتاريخ 21/3/1983م.